شهر شعبان هو شهر معجزة انشقاق القمر ، أو كما يسميه بعض التابعين والعلماء بشهر النبي، جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر "هو بين رجب ورمضان، يغفل عنه الناس، وترفع فيه الأعمال"، وعن عائشة رضي الله عنها "لم يكن النبي يصوم شهرًا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله" رواه بخاري، وبذلك لا يختلف مسلم على فضل ذلك الشهر الكريم.
ولكن ما صحة الأحاديث حول الفضل العظيم لليلة النصف من شعبان؟ وكيف يمكننا إحياء تلك الليلة بعيدًا عن الشبهات والبدع؟
نجيب عن ذلك بالتفصيل في هذا المقال، فتابع معنا.
جاءت عشرات الأحاديث في فضل ليلة النصف من شعبان، وشأنها العظيم، ولكننا لا يمكننا الجزم بذلك الفضل، لأن جميع الأحاديث الواردة عن تلك الليلة ما بين الضعف أو عدم الصحة.
هذا لا يعني أن ليلة النصف من شعبان أقل مكانة من جميع أيام الشهر، ولكنها أيضًا لم تثبت ميزة لها دونًا عن باقي الليالي.
ويرجح البعض أن أصل الاجتهاد في ليلة النصف من شعبان راجع إلى بعض التابعين من أهل الشام، ومنهم خالد بن معدان ومكحول، والذين كانوا يولون اهتمام خاص بتلك الليلة، ويقضونها كاملة القيام داخل المسجد، وكانوا أيضًا يتكحلون ويتزينون في طريقهم للمسجد، ومنهم انتشرت الأقاويل بفضل ليلة النصف من شعبان، حتى مع ضعف أحاديثها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" متفق عليه، فلا يجوز التعبد بالله سبحانه وتعالى إلا اقتداءً بالسنة والتابعين، وبالتالي فمن يعظم أيامًا بعينها ويخصصها للعبادة بغير دليل من السنة فهو رد كما ذكر الحديث.
ولم يرد عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- أو التابعين، بتعبد زائد أو إظهار شعائر العيد في تلك الليلة عن باقي ليالي شهر شعبان، ونستنتج من ذلك إحياء ليلة النصف من شعبان كإحياء أي يوم من أيام الشهر، والذي يتمثل في:
كان الرسول- صلى الله عليه وسلم- يكثر من الصيام طوال شهر شعبان، فعن أم سلمة رضي الله عنها "ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صام شهرين متتابعين إلا أنه كان يصل شعبان برمضان"، وتعددت الأسباب التي طرحها العلماء أو الصحابة عن سبب صيام الرسول شهر شعبان، فبرره البعض بأن:
من الأوليات التي يجب أن يحرص عليها المسلم الحق، هو أن يكثر من الأعمال الصالحة في شهر شعبان، سواء من الصدقة على الفقراء والمحتاجين، والاستغفار من الذنوب والتسبيح لله عز وجل، وحتى إزالة الأذى عن الطريق، ومعاملة الناس بالخلق الحسن.
سمي شهر شعبان عند التابعين بشهر القراء، وذلك لأنهم كانوا يكثرون من تلاوة القرآن فيه اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا يعقدون حلقات تدبر بصفة مستمرة، ويكثروا من التأمل في آيات الكتاب الكريم، وذلك بسبب:
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "ما كان أن الرسول يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربع ركعات، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثًا، فقلت يا رسول الله تنام قبل أن توتر؟ قال: تنام عيني ولا ينام قلبي".
فقيام الليل في شهر شعبان له عظيم الأجر عند الله سبحانه وتعالى، وعلى المسلم أن يحرص على قيام جزء من ليالي شهر شعبان حتى ولو بركعتين، ويستغل تلك الفرصة في الدعاء لصالح دينه ودنياه.
أما عن الأدعية المخصصة لليلة النصف من شعبان فلا يوجد لدينا حديث يشير إلى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يخصص أدعية معينة لتلك الليلة، وبالتالي فيمكنك أن تدعو بأي شيء مثلما تدعو في بقية الأيام طالما لا يتعارض مع أصول الدين أو الشريعة، وتضرع إلى الله وتطلب منه أن يبلغك رمضان ويرزقك البركة فيه.
يقيم البعض طقوس مختلفة لليلة النصف من شعبان خصوصًا، فقد نجد أن من بعض الاحتفالات الشائعة في تلك الليلة التجمع والاحتفال داخل المسجد، وإيقاد المصابيح بكثرة، وهي بالطبع بدع ليس لها أي أصل في السنة، فلم يرد عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- ولا عن التابعين الاحتفال هكذا أو إظهار أييٍ من شعائر العيد.
لا يجوز أيضًا التبرك في تلك الليلة بالذات عن باقي ليالي الشهر الكريم، وإلقاء الخطب والمحاضرات في فضلها، أو حتى التزين بشكل ملحوظ بالثياب أو الكحل، أو استخدام البخور في المساجد أو المنازل احتفالاً بتلك الليلة،
لأن ذلك يحمل في مضمونه فضل متفرد لتلك الليلة، وهو ما سبق وأنكرناه؛ ولذا لا يجوز للمسلم المشاركة في تلك الاحتفالات أو الإعانة في إقامتها، أو تشجيعها بأي شكل من الأشكال.
كثرت الأقاويل في فضل ليلة النصف من شعبان، ولكن تتلاشى كل تلك التكهنات في ظل عدم وجود حديث صحيح يؤكد ذلك الفضل الذي ينسب إليها، وبذلك تتحول كل أوجه تكريم تلك الليلة وطقوسها، إلى بدع لا يجب أن ينخرط فيها المسلم الحق.